أخبار فلسطين

كل يوم حكاية (4) رجال في الماء

قصة طويلة جداً
رجال في الماء

*الإهداء  إلى كل من ترك وطنه مكرها

بضع صفحات اختصرت كل الهوان الذي نحن فيه. الطفل السوري على وجهه في شاطئ الغرق…الطفل اليمني على حافلة النزوح و الآخر تحت الانقاض. ….جثث الاجئين في شاحنة الدجاج……. والفلسطيني يكرر مآساة رجال تحت الشمس

كلنا في الشمس….نذوب قطرة قطرة من إنسانيتنا….بنسب مختلفة كل دقيقة!كلنا تحت الشمس يا غسان مجردين من إنسانيتنا مكشوفين عراة لا وطن نستر به عوراتنا ولا إنسانية تحلي مرارة العيش وحش فرانكشتاين نحن تخفي ذمامة ملامحنا مساحيق التجميل والاقنعة.

عند الساعة السابعة مساء غادر سالم مخيم عين الحلوة لا يحمل معه شيئا حتى الشال الذي ورثه من جده من فلسطين قبّل رأس زوجته ونظر الى وديع طفله الوحيد الذي رزق به بعد سبع سنوات في مهده الأبيض يغفو قبّل اصابعه وشم رائحته وخرج مصفر اليدين تنفيذا لطلب السمسار حتى لا يلفت نظر خفر السواحل .

استدار سالم انتعل حذائه وفتح باب البيت وخرج مسرعا مثل ابو قيس في رجال في الشمس قبل ان يصل الى السيارة التي تنتظره خارج المخيم بعد الحاجز توقف سليم ليلتقط انفاسه شعر وكأنه يحمل المخيم فوق ظهره انها المرة الاولى التي يشعر بها بالإرهاق الى هذا الحد ليس جسده ما يرهقه بل التفكير قبل ان يقطع الحاجز شعر وكأن قدماه تذوبان شيئا فشيئا في ارض المخيم ولم تعد تحملاه وضع يداه على ركبتاه راجيا لا تحطي من عزيمتي ،اتكأ قليلاً لم يلتفت خوفا من تسيطر عليه رغبته في العودة راح يبحر في دوامة التفكير والتردد هل اعود؟ اشتقت الى وديع الى رغرغاته إلى صوته
وقبل ان يتمكن الحنين منه قاطع حبل افكاره الذي يشد به الى العودة اتصال من السمسار فأنتصب واقفا كأنه اصيب بصاعقة واندفع بقوة الى الأعلى كشجرة اقتلعتها العاصفة من ارضها .

في سيارة سائق السمسار لم يجد سالما مطرحا له السيارة ممتلئة حتى الانفجار صفن قليلا تذكر” الخزان” و النهاية الحتمية لهم لا انا لست ابا قيس ولا مروان ولست اسعدا لن اركب معكم كيف سأقطع مسافة 128 كلم وانا جاثيا على ركبتي لا استطيع الحراك ؟

من خلف أكوام الرجال في السيارة جاء صوتا يشبه صوت الحشرجة كان رجلا سبعينيا يدعى أبو عادل : هيا يا بني اركب معنا ولا تتردد ولا تأخرنا

شعر سالم للحظة كأنه ولد نوح يدعوه ابوه للركوب في سفينة النجاة ، هز رأسه رافضا ماذا تقول أيها الخرفان لا لن اموت كما ماتوا لن اختنق كما اختنقوا لن اركب ولتدع الطوفان يبتلعني كما ابتلع ابن نوح .

وقبل ان يدير ظهره نزل سائق السمسار شاب اسمر تخيله سالم ابو الخيزران الذي اوصل الشبان الى الخزان فأبتلعه صاداً اياه لا تحاول لن اركب وبعد جدال طويل توصل ” ابو السائق” الى حل يرضي سالما هذا ؛بسوق هو السيارة والسائق يدلهم على الطريق .

استقل السيارة وكانت العتمة بدأت ترخي سوادها فوقهم بعد قليل جاء صوت الحشرجة نفسه ” هييي انت الطريق امامك سالكة اسرع قليلا اكاد اختنق تحت ، تجاهله سالم وداس على البنزين.

عند منتصف الليل وصلوا الى ميناء طرابلس كان قارب الصيد ينتظرهم تسائل ابو عادل هل سنجلس جميعنا فيه ؟ هل يتسع لخمسين شخص أتوا من كل المخيمات ؟ هل ستحشروننا فيه كما تحشر الاسماك في شبكة الصياد

رد عليه سالم: ما الفرق بينه وبين خزان الرجال الذين قضوا تحت الشمس ذاك خزان حديدي مقفل وهذا خزان من الخشب دون جدران، الخزان والقارب وسيلتان من وسائل الموت الحتمي الذي كتب على هذا الشعب لا فرق ان متنا غرقا او متنا برصاص الاشتباكات في المخيم او متنا فطيس داخل الخزان ما الفرق يا غسان ويا محمود بين الموت تحت اشعة الشمس الحارقة في الصحراء او مياه البحر الباردة؟

على بعد خطوات كان السمسار يحتسي شرابه نادى على سالم والرجال لكي يدفعوا له ثمن الرحلة في عرض البحر شارحا له ستقلكم هذه “الحسكة ” الى قبرص من قبرص الى اسبانيا “القصة على بعضها نص ساعة بتكونوا هناك” وتذكر يا سالم انك ربان هذه الحسكة قيادتها سهلة فقط جذف وستجد قاربا اخرا بإنتظاركم عندها تكونوا قد وصلتم قبرص

لبس العزم لبسا غير عاديا فنسي انه كان خائفا من مصير اصحاب الخزان راح يرتب الناس في القارب الثقيل في الوسط والخفيف على الاطراف لا نريد ان يختل التوازن ارموا اغراضكم ارواحكم اهم نصف ساعة ونشتري من قبرص كل ما نريد لكن الامر لم يكن سهلا صحيح ان القارب اتسعهم لكن ما ان حط سالم رجله في القارب وراح يجذف مع ابو عادل وغسان ومحمود اح القارب يهتز كما تهتز اغصان الأشجار في وجه الريح وفاجأتهم موجة قلبت القارب رأسا على عقب كما تقلب السلحفاة على ظهرها في نفس اللحظة تكوم الناس حول القارب منهم من يبحث عن ابنه واخر يبحث عن ماله وغسان يبحث عن ابو عادل ليقربه على حفة القارب وامراة تبحث عن حجابها لتستر نفسها اما سالما فقد اصابه الذهول راح يصرخ في عرض البحر اطرقوا جدران القارب اطرقوا ماء البحر ارِقوا السمك والحيتان ارقوا نجوم السماء لا تستسلموا لا تموتوا قبل ان تكونوا ندا لأولئك الذين ارادوا لنا الموت ليعشوا هم الذين ارادوا لنا ان نبقى تحت الأقدام ويتعملقوا هم وراح يردد في عرض البحر : سيدي الرئيس تحية وبعد اقول في قلبي والمساء يغمر البلاد بالشجون واليأس بيننا وسيف الخوف مسلط علينا والقلق المضني يبيت ليلة اخرى لدينا

سيدي الرئيس
أقول في قلبي
من سبى الحلم وأرخى الهم في حقد علينا؟
ومن رمى أيامنا بالقهر.. بالغدر.. بأغلال السجون؟

سيدي الرئيس
أتسمع الأحرار حين يسألون؟
أمرتّين الشهداء يُقتلون؟
أطفالنا في الليل ماعادوا يحلمون
من يٌنقذ الأحلام حين ينعسون؟

سيدي الرئيس
نمشي وبيننا يغُل خائنون
يوجعنا أنهم بغدنا يقامرون
يجرحنا أنهم قرارنا يحاصرون
يقلقنا أنهم يدرون ماذا يفعلون
إلى متى هم في شرايين رؤانا يسكنون؟

سيدي الرئيس
بين يديك أودعت دمعتنا
جئنا إليك وبنا عزتنا
فلينهدم.. باب السجون
ولينهزم هذا الجنون
ولينرجم من قد يخون
وهذه قلوبنا معاقل الحرية
وهذه أجسادنا ذخائر القضية
ونُقسم سنبقى
لأننا.. وأرضنا.. والحق.. أكثرية

واسكتته موجة عاتية من امواج شباط الى الأبد هو ومن معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى