متفرقاتمقالات

“بيرقدار آقنجي”.. لِمَ كانت الأفضل في إيجاد طائرة الرئيس الإيراني المفقودة؟

في سياق البحث عن طائرة الرئيس الإيراني المفقودة، ساهمت الطائرة المسيرة التركية “بيرقدار آقنجي” بدور جوهري في عملية الكشف عن موقع الطائرة، التي تبين أنها تحطمت بسبب الطقس الجوي السيئ غالبا، الأمر الذي تسبب في موت كل مَن كان على متنها، بما في ذلك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

“آقنجي” هي مسيرة قتالية من إنتاج شركة “بايكار” التركية، صُمِّمت للعمل بتركيبة داخلية يمكن تحديثها وفقا للمتطلبات المستقبلية، ويمكنها القيام بعمليات متنوعة، سواء للقتال (في مهام الهجوم جو-أرض وجو-جو) أو لدعم الطائرات المقاتلة، وهي في هذا السياق مجهزة بأنظمة اتصالات عبر الأقمار الصناعية ورادار متقدم، يساعدها على أداء المهام بكفاءة.

تحمُّل طويل

لكن في سياق عمليات البحث والمراقبة خاصة، تتمتع المسيرة بقدرات متكاملة يمكنها بالفعل المساعدة بكفاءة في مهام كهذه تتطلب البحث في نطاق جغرافي واسع عن شيء محدد مثل طائرة مفقودة، أولها لا شك هو أن المسيرة بطبيعة هندستها فئة من المسيرات يُطلَق عليها الطائرات القادرة على “التحمل الطويل على ارتفاعات عالية” (HALE)، وهي مُصمَّمة للعمل على ارتفاعات عالية لفترات طويلة.

ترتفع “آقنجي” إلى أكثر من 14 ألف متر، وتستمر في العمل لأكثر من 24 ساعة في المرة الواحدة، ما يعطيها القدرة على تغطية مساحة أوسع من منظور أوسع، مما يوفر خدمات مراقبة أو اتصالات مماثلة للأقمار الصناعية، وتُعد طائرات التحمل الطويل على ارتفاعات عالية ذات قيمة خاصة لمجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في ذلك مراقبة الطقس وأمن الحدود والدوريات البحرية والاستجابة للكوارث، ويمكن للطائرة دراسة أي منطقة لأسابيع أو لأشهر.

إلى جانب ذلك، تمتلك الطائرة “إلكترونيات طيران ذات ذكاء اصطناعي مزدوج”، وفيها يُدمَج نظامان للذكاء الاصطناعي في إلكترونيات الطيران الخاصة بالطائرة، تعمل معا لتعزيز قدرات الطائرة عبر معالجة كميات هائلة من البيانات من أجهزة استشعار الطائرة بكفاءة أكبر من الأنظمة التقليدية، مما يسمح باستجابة أسرع وأدق.

كما تتمكن هذه المنظومة من دمج البيانات بصورة أفضل، بمعنى أنه لا فائدة من زيادة عدد المستشعرات وأنظمة الرادار في المسيرة ما لم تكن هناك طريقة سلِسة لجمع تلك البيانات وتنظيمها ومن ثم تقديمها للقيادة على الأرض بشكل يسهل عليها اتخاذ القرار، تُعد أنظمة دمج البيانات الموجودة الآن على متن “آقنجي” ممتازة بوجود نظام الذكاء الاصطناعي المزدوج، أضف إلى ذلك أنه يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المزدوجة تحليل المواقف واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، وهو أمر بالغ الأهمية، كما تتمتع أنظمة الذكاء الاصطناعي بالقدرة على التعلم من الخبرة والتكيف مع السيناريوهات الجديدة، بأقل قدر من التدخل البشري.

كاميرا من طراز خاص

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الطائرة المسيرة تمتلك أنظمة استشعار وكاميرات متقدمة، ونتحدث خصوصا عن الكاميرات الكهربائية الضوئية التي تعمل كذلك بالأشعة تحت الحمراء (EO/IR)، وهي أنظمة تصوير متقدمة تجمع بين أجهزة استشعار الطيف المرئي (مثل الكاميرات العادية) والأشعة تحت الحمراء، وبسبب تنوع آليات استقبالها للبيانات فإنها توفر وعيا أشمل بالحالة على الأرض في جميع الظروف تقريبا، ليلا أو نهارا.

تكتشف مستشعرات الأشعة تحت الحمراء الحرارة المنبعثة من الأجسام وتُحوِّلها إلى صور مرئية. تُعد هذه القدرة ضرورية لاكتشاف التوقيعات الحرارية من المركبات والأشخاص والأشياء الأخرى، خاصة في ظروف الإضاءة المنخفضة أو الليل أو حالات الطقس السيئة. وتعمل “آقنجي” في نطاقات متعددة للأشعة تحت الحمراء (مثل الأشعة تحت الحمراء القريبة، والأشعة تحت الحمراء ذات الموجة المتوسطة، والأشعة تحت الحمراء ذات الموجة الطويلة) ما يوفر إمكانات تصوير متنوعة، ويعزز ذلك الكشف عن أدق مصادر الحرارة.

وإلى جانب ذلك، تمتلك تلك النوعية من الكاميرات قدرات على التصوير بعيد المدى، حيث يمكنها تحديد الأهداف وتتبعها من مسافة بعيدة، وهو أمر بالغ الأهمية في الظروف البيئية الصعبة خصوصا، كما حصل في حالة طائرة الرئيس الإيراني. يأتي ذلك في سياق أن هذه النوعية من الكاميرات تُجهَّز بعدسات تكبير وآليات تحريك وإمالة، مما يسمح للمشغلين بالتركيز على مجالات اهتمام محددة وتتبع الأهداف المتحركة بدقة.

كما أن هذه الكاميرات تمتلك ميزة تثبيت الصورة، وهي الميزة التي تضمن الحصول على صور أوضح مع حركة الطائرة المسيرة، ولذلك فهي كاميرات متنوعة الاستخدامات، وهي ضرورية لتطبيقات مختلفة مثل عمليات المراقبة والاستطلاع في الحالات العسكرية، وكذلك عمليات البحث والإنقاذ.

طائرة الكوارث الطبيعية

ومع الكاميرا، تحمل الطائرة المسيرة على متنها رادارا متقدما من نوع “رادار الفتحة التركيبية” (SAR)، وهو بحسب وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) نوع من الرادار يُستخدم لإنشاء صور عالية الدقة، ويتمكن من إعادة بناء صورة ثلاثية الأبعاد للأشياء، أيًّا كانت، مثل المشاهد الطبيعية أو المباني أو التضاريس.

يستطيع هذا النوع من الرادارات الحصول على تركيبات دقيقة ثنائية أو ثلاثية البُعد، لأنه يعتمد على دوران الهوائي مع المسيرة أعلى الهدف، ومع اكتمال الدائرة تكتمل بيانات الصورة، التي تُعالَج بسرعة لإظهار الصورة أو البنية ثلاثية البُعد بشكل دقيق.

في هذا السياق، تعززت منظومة عمل الطائرة بأنظمة اتصالات مزدوجة عبر الأقمار الصناعية، وهو اصطلاح يشير إلى دمج قناتي اتصالات عبر الأقمار الصناعية المستقلة على منصة واحدة، وعادة ما تكون طائرة مسيرة، يضمن هذا النظام اتصالا مستمرا وقويا بين المسيرة ومحطات التحكم، وفي حال فشل إحدى الوصلات الفضائية بسبب الطقس أو غيره، يمكن للنظام التبديل بسلاسة إلى الرابط الثانوي، مما يضمن الاتصال المستمر حتى في البيئات النائية أو الصعبة.

ويساعد استخدام هذه المنظومة خصوصا في بناء تغطية جغرافية واسعة، كما أنها تساعد في تخفيف النقاط العمياء التي قد تحدث في حالة الاعتماد على شبكة قمر صناعي واحدة، ولذا فإنها ذات استخدامات متعددة، سواء في العمليات العسكرية أو الاستجابة للكوارث والمساعدات الإنسانية، حيث توفر اتصالات موثوقة في المناطق التي تتضرر فيها الشبكات الأرضية أو تنعدم، مما يسهل التنسيق وتبادل المعلومات، وكذلك فإنها تدعم عمليات مدنية تماما مثل فحص البنية التحتية والمراقبة البيئية ومهام البحث والإنقاذ من خلال ضمان النقل المستمر للبيانات.

تاريخ قصير لمقاتلة جيدة

كشفت “بايكار” عن مسيرة “آقنجي” الأولى في مهرجان “تكنوفيست” في إسطنبول سبتمبر/أيلول 2019، وأجرت أول الاختبارات الهندسية لها وقامت المسيرة برحلتها الأولى في العام نفسه، قام النموذج الأولي للطائرة برحلته الثانية في يناير/كانون الثاني 2020، وأُعلِن عن نجاح الطائرة في اجتياز اختباراتها في مارس/آذار من العام التالي، وبدأ إنتاجها بكميات كبيرة في مايو/أيار. ومع نجاحها الأولي بدأت خطط التصدير، حيث وقَّعت شركة “بايكار” أول صفقة تصدير لـ”آقنجي” في يناير/كانون الثاني 2022.

مثل أي طائرة، تمتلك “آقنجي” عددا من العيوب، مثل تكاليف التطوير والتشغيل العالية، كما تتطلب صيانتها استثمارا ماليا كبيرا وتدريبا متقدما لا يتوفر للكثير من الدول، كما أنها معرضة للتشويش والقرصنة رغم التدابير المضادة المتقدمة، وخاصة أنها ليست طائرة شبحية، ما يسهل نسبيا ضربها في العمليات العسكرية. ورغم تنوعها، فإن سعة الحمولة لدى هذه الطائرة محدودة مقارنة بالطائرات الأكبر حجما، كما تتطلب تشغيل محطات تحكُّم وخطوط اتصالات ومرافق صيانة قد لا تكون متاحة دائما في جميع البيئات التشغيلية.

لكن ذلك لا يمنع “آقنجي” من أن تكون واحدة من أفضل المسيرات، خاصة في نطاقات المراقبة والاستطلاع، وتُمكِّنها العديد من المزايا التقنية من لعب دور مهم في حالات الكوارث، خاصة تلك التي تحدث على مساحات واسعة وخلال طقس سيئ، وقد لعبت هذا الدور بفعالية كما يبدو في حالة حادثة طائرة الرئيس الإيراني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى