الراعي استنكر “المشهدية الحقيرة المعادية للسيد المسيح” في فرنسا: ندعو المسؤولين اللبنانيين إلى تحمل مسؤولية خراب البلاد وبحالة الاقتصاد المنهار وبازدياد الفقر
ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد، في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان وعاونه الاب فادي تابت والخوري مالك بو طانوس والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا وامين السر الاب هادي ضو، في حضور اعضاء اتحاد لجان الاهل في كسروان وجبل لبنان في المدارس الكاثوليكية، وعدد من الاساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، وعائلة المرحومة كبير نمر ساسين بو خليل وحشد من المؤمنين.
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، القى الراعي عظة، بعنوان: “اليوم صار الخلاص لهذا البيت” قال فيها: “لما أعرب زكا عن توبته، وعن التعويض عن خطاياه بمنح نصف مقتنياته للفقراء وبرد أضعاف لمن ظلمهم، قال له يسوع: “اليوم صار الخلاص لهذا البيت” ( ٢٠١١)، ما يعني أن التوبة الحقيقية قائمة على الإقرار بالخطايا والتعويض عنها. وإلا إما ظلت التوبة أمرا خارجيا كأنها لم تكن، وإما لم تمارس أبدا وهذا أمر أخطر. فلنصل في هذه الليتورجيا الإلهية كي يمنحنا الروح القدس التوبة الحقيقية، وتمارسها لكي ننال الخلاص الذي أعلنه المسيح الرب لزكا، وهو الغاية من رسالة الخلاص الذي أتمه مائنا عن خطايانا، وقائمًا لتقديسنا” (راجع ( كور (۱٥: ۲-۳). وهو الغاية من رسالة الكنيسة والكهنوت”.
واضاف: “يسعدني أن أحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، مرحبا بكم جميعا وبخاصة “باتحاد لجان الأهل في كسروان وجبل لبنان في المدارس الكاثوليكية، وبوفد من الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية الذين ينتظرون حل مشكلة تفرّغهم. وأوجه تحية خاصة لعائلة. المرحومة كلير نمر ساسين بو خليل أرملة المرحوم خليل مخايل بو طانوس، التي ودعنا منذ أسبوعين مع أبنائها وبناتها، وعلى رأسهم قدس الأب مالك بوطانوس، الرئيس العام السابق الجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، ونذكر من بين أبنائها عزيزنا ماجد، مصمم الأزياء الكنسية الذي قدم للكرسي البطريركي العديد من الغفارات والتيجان. ونذكر جميع أبنائها الأربعة وبناتها الثلاث وعائلاتهم وقد عاشوا على مبدأ الوالدين في خدمة الكنيسة والرعية والعائلة. ونذكر معهم جميع الأنسباء، نصلّي في هذه الذبيحة الإلهية لراحة نفس المرحومة كلير وعزاء أسرتها”.
واردف: “عندما أعلن زكا العشار توبته، أعلن الرب يسوع الغاية من موته وقيامته: “لأن إبن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلصه” (لو ١٠:١١) ، فركا رئيس العشارين والغني كان “هالكا” بسبب خطاياه التي أقرّ بها وهي : عدم الإكتراث بالفقراء، وظلم من كان يجمع منهم الجباية. فقرر منح الفقراء نصف مقتنياته، ورده للذين ظلمهم أربعة أضعاف. وكان زكا معروفا بأنه خاطي علنا لسببين: الأول لأنه من خلال جباية المال كان يختلس ظلما، والثاني، لأنه كان يجبي العشر للدولة الرومانية الوثنية المحتلة، فكانوا يعتبرونه عميلًا. أكرم يسوع زكا العشار والغني المعروف بأنّه خاطي علني، إذ دعاه باسمه، ودخل بيته، وجلس إلى مائدته. لكن زكا قدّر هذه النعمة وأجرى توبة جذرية في حياته. وصنع الفرق. فالأغنياء، الذين قال عنهم الرب أنّه عسير عليهم أن يدخلوا ملكوت السماوات” (متی ۲۳:۱۹)، زكا لم يعد واحدا منهم بتوزيع نصف أمواله على الفقراء. ويمكن أن نقول، إذا جاز التعبير، أنه اشترى بماله ملكوت السماوات. ألم يقل الرب يسوع لذاك الشاب: “إذهب بع كل ما لك، وأعطه للفقراء فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني!” (من ١٩: ٢١)”.
واضاف: “لم يكن المال عائقا في حياة زكا، بل كان عوناً له لكسب مجد المسيح. علينا نحن أن لا تبذر ما نملكه على العيش الرغيد، بل أن نحبه لأجل الخلاص. ليس في المقتنيات إثم، لأنها هبة من الله ونعمة، بل في سوء استعمالها. عند البعض يكون المال فرصة للخلاص، وعند آخرين علة للدينونة. كم هو مهم أن نقدر نعمة الله، ونكون على مستوى ما تقتضي منا! هذا هو باب الخلاص والسعادة والفرح الحقيقي الذي يملأ القلب ويدوم وينشر في محيط صاحبه”.
وتابع : “كم نتمنى لو أن السياسيين وأصحاب النفوذ المعرقلين انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة وثمانية أشهر ، عادوا إلى أعماق نفوسهم، وأصغوا إلى صوت ضميرهم صوت الله في أعماقهم، لأدركوا خطأهم الجسيم وتابوا عنه، واتخذوا قرارًا تاريخيا حرا، ولأنقذوا أنفسهم والبلاد. إن مجتمعنا اللبناني بات يعيش في هيكلية خطيئة، لأن كل واحد يخطأ ولا يتوب عن خطيئته، ما جعل الخطيئة غير موجودة، أو خطيئة اجتماعية لا أحد مسؤول عنها. إننا ندعوهم واحدًا واحدًا إلى تحمل مسؤولية خراب البلاد بمؤسساته الدستورية وبالميثاق، وبحالة الاقتصاد المنهار، وبازدياد الفقر وهجرة خيرة شبابنا، إننا ندعوهم إلى اتخاذ قرار شجاع مثل زكا، مدركين خطأهم الكبير بحق الشعب اللبناني الذي إتمنهم على السلطة لخيره”.
واعتبر انه “من دواعي الإشمئزاز والغضب تلك المشهدية الحقيرة واللا أخلاقية المعادية للسيد المسيح وللمسيحية التي ظهرت في إفتتاحية الألعاب الأولمبية في باريس أول من أمس. فيا للإنحطاط الأخلاقي الذي بلغ ذروته وهو دليل إفلاس من جهة، وعلامة حقد على المسيح والمسيحية ومقدساتها. فإننا نشجب هذا العمل المنافي لقدسية الحرية وللقيم الروحية والإنسانية والأخلاقية. وندعو أبناءنا المؤمنين لصلاة التكفير عن هذه الإهانة لستر القربان ولقلبي يسوع ومريم”.
واعرب عن اسفه لقرار نقل مؤسسة ال UNESCO كمكتب إقليمي للبلدان العربية من بيروت إلى عمان. “هذا المكتب الإقليمي موجود في بيروت منذ سنة ١٩٦١ بموجب القرار ۱۲۳۳ لجمعية ال UNESCO العمومية. وعلمنا أن قرار النقل معلق حاليا، فإنا نرجو القيمين بالرجوع عنه الخير وجود هذا المكتب الإقليمي في لبنان بالنظر إلى كمية المدارس والجامعات وقدرة لبنان العلمية والتربوية، ونظامه الديمقراطي وتعدديته الثقافية والدينية، وتوقيع لبنان لشرعة حقوق الإنسان، وإدخالها في دستوره”.
وختم الراعي : “فلنصل، من أجل توبة المسؤولين السياسيين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية من غير سبب موجب، ولغاية سيئة في نفوسهم، ونصلي لكي نعود جميعا إلى صوت ضميرنا صوت الله في أعماق نفوسنا، راجين القيام بتوبة خلاصية مثل زكا العشار، فننال نعمة الخلاص الأبدي للإله الثالوث الآب والابن والروح القدس كل مجد وشكر وحمد، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وبعد القداس استقبل البطريرك المشاركين في القداس في صالون الصرح.