أخبار لبنانسياسة

“ثوابت” لبنان في أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار.. هل من خطوط حمراء؟!

صحيح أنّ لبنان الرسمي لم يتلقّ حتى الآن أيّ شيءٍ ملموس ينسجم مع التسريبات التي تكثّفت هذا الأسبوع حول اتفاق لوقف إطلاق النار، وإن ذهبت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية لحدّ نشر “مسودّة اتفاق” لا يبدو أنّ المسؤولين في لبنان اطّلعوا عليه فعليًا، إلا أنّ الأكيد أنّ نقاشات “جدّية” بدأت حول الموضوع في الأروقة السياسية والخارجية، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولو أنّ الإسرائيليين كانوا يشوّشون عليها.

تستحضر هذه النقاشات الكثير من السيناريوهات المرتبطة بالاتفاق “الموعود”، ربطًا بالتسريبات التي تتفاوت في تفاصيلها، وربما في النوايا الكامنة خلفها، وبينها ما يقال إنها “شروط” يضعها الجانب الإسرائيلي للمضيّ في أيّ اتفاق، تحت طائلة توسيع الحرب وتعميقها، بدليل إعلانه عن “مرحلة ثانية” من العملية البرية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضمان “حرية التحرك” لإسرائيل في الأجواء اللبنانية، وما يسمّى “حقّها” بالرد على أيّ هجوم من لبنان.

 

وفي حين يضع كثيرون بعض ما يسرّب في خانة “التهويل”، وربما “الضغط”، أو حتى “رفع السقف التفاوضي”، ثمّة من يعتبر أنّه يعكس في مكانٍ ما نوايا إسرائيلية بالتعامل مع المفاوضات على أساس أنّها مساحة لفرض الشروط على لبنان، باعتبار أنّ “حزب الله” هُزِم في هذه الحرب بعد الضربات النوعية التي تعرّض لها، وأنّ إسرائيل تريد أن تحقّق بالمفاوضات ما لم تحقّقه في الميدان، فهل تصحّ هذه الفرضية، وكيف يمكن أن يتعامل معها لبنان؟!

 

منطق “الغالب والمغلوب”

 

صحيح أنّ كلّ التسريبات عن المفاوضات تبقى غير دقيقة حتى إثبات العكس، خصوصًا أنّ مصدرها يبقى الإعلام الإسرائيلي بالدرجة الأولى، لكنّ الصحيح أيضًا أنّها تندرج في خانة “جسّ النبض” بالحدّ الأدنى، و”الضغط النفسي” في أقصى الأحوال، انطلاقًا من قناعة إسرائيلية راسخة بأنّ هذه المفاوضات يجب أن تعكس مجريات الميدان بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على الحرب، وبالتالي فإنّ منطق “الغالب والمغلوب” هو الذي يسيطر عليها.

 

وفقًا لهذا الرأي، تعتقد إسرائيل أنّها “المنتصرة” في هذه الحرب، وبالتالي فإنّ شروطها هي التي يجب أن تسري، فما مُني به “حزب الله” من خسائر لم يكن يتخيّله، خصوصًا بعدما فقد “قوة الردع” التي أوهم الجميع بتفوّقه على خطها، بل أكثر من ذلك، خسر بنيته القيادية بشكل شبه كامل، ولا سيما بعد الضربة “الأقسى” باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، ما جعل قيادته في وضعٍ لا تُحسَد عليه، ولو سعت للتقليل من وقعه، بانتخاب الشيخ نعيم قاسم خلفًا له.

 

من هذه الزاوية تحديدًا، يمكن فهم “رفع سقف” التصريحات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وبينها مثلاً كلام وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس الذي وسّع رقعة أهداف الحرب، مضيفًا إليه “تجريد حزب الله من سلاحه”، وكأنّ إسرائيل تريد القول “إما أن تقبلوا بشروطي وإلا عليكم تحمّل المزيد”، علمًا أنّ الإعلان عن الذهاب إلى مرحلة ثانية من هذه الحرب، وتكثيف القصف على الضاحية الجنوبية على امتداد النهار والليل، بدا بمثابة “ضغط أقصى” تمارسه إسرائيل.

 

ثوابت لبنان.. بلا زيادة ولا نقصان!

 

بمنطق “الغالب والمغلوب” إذاً تتعامل إسرائيل مع ملف المفاوضات، في محاولة لفرض شروطها على اللبنانيين، بما يتيح لها تكريس “انتصار” تقول إنّها مهّدت له بضرباتها النوعية ضدّ “حزب الله” منذ مجزرة “البيجر” الشهيرة، أو بالحدّ الأدنى، لترمي كرة التعطيل في مرمى اللبنانيين، في استنساخ لسيناريو تكرّر أكثر من مرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023، حيث كانت تتّهم حركة حماس بأنها من تعرقل المفاوضات وتشوّش عليها.

 

لكنّ هذا المنطق يصطدم وفق العارفين، بوجهة نظر لبنانية، ترفض الحديث عن “هزيمة” مني بها “حزب الله”، ولا سيما أنّ الأخير لا يزال قادرًا على التحكّم بالميدان بصورة أو بأخرى، وقد استعاد جزءًا واسعًا من عافيته بعد الضربات التي مُنيَ بها أخيرًا، بل إنّ رشقاته الصاروخية الأخيرة والضربات الدقيقة التي نفّذها في سياق معادلة “إيلام العدو” التي يطبّقها، تؤكد أنه لا يزال يمسك بالكثير من أوراق القوة، وبالتالي ليس “مهزومًا” ليقبل بالخضوع لأيّ شروط.

 

من هنا، يؤكد العارفون أنّ الموقف اللبناني في أيّ لبنان مضبوط سلفًا بما يصحّ وصفها بـ”الثوابت”، التي سبق أن اختصرها كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري بالتمسّك بالقرار الدولي 1701 كما هو، “بلا زيادة ولا نقصان”، ما يعني أنّ لبنان ليس معنيًا بأيّ اجتهادات أو إضافات على القرار المذكور، خصوصًا من نوع الضمانات التي تريدها إسرائيل، عبر الاحتفاظ بما تسمّيها “حرية حركة” تشكل بحدّ ذاتها انتهاكًا للسيادة.

 

بمعزل عمّا يردّده الإسرائيليون من شروط لوقف إطلاق النار، سبق أن عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين قال إنّ منع “حزب الله” من التسلّح مجدّدًا أهم بالنسبة إليه من القرار 1701، فإنّ الموقف اللبناني واضح وثابت ولا لبس فيه، وقوامه تطبيق القرار الدوليّ المذكور بحرفيّته، لكن من دون فتح المجال إلى انتهاكات جديدة بذريعته وتحت عنوانه، وهو موقفٌ يرفض لبنان الرسمي التراجع عنه تحت أيّ ظرف من هنا أو هناك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى