مقالات
الرئيس والقطبة المخفية
كتبت هنادي عباس
لا شك أن التاسع من كانون الأول يشكل محطة فاصلة في تاريخ لبنان، حيث تتقاطع فيه الضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية لتحديد مصير الاستحقاق الرئاسي. فبين الترقب الحذر والضغوط المتزايدة، يبرز هذا الاستحقاق كمؤشر لموازين القوى على المستويين الإقليمي والدولي، ويكشف عمق التشابكات السياسية التي تحيط بالبلاد.
وبالرغم أن اتفاق الطائف قد قلّص من صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أن الموقع لا يزال يشكل رمزًا للشرعية الوطنية والتوازن الطائفي. وهذا ما يفسر الاهتمام الدولي والإقليمي بانتخاب رئيس يُمثل توازنات دقيقة تضمن استقرار النظام السياسي. الدعم الخارجي لانتخاب الرئيس ليس مجرد حرص على استقرار لبنان، بل يحمل في طياته رسائل واضحة حول توزيع النفوذ في المنطقة. فالرئيس الجديد سيكون بمثابة بوابة لتثبيت الاتفاقات الدولية وتعزيز شرعية السلطة السياسية، مما يفسر الضغوط المكثفة لملء هذا الفراغ.
كما إن زيارة الوفد السعودي إلى لبنان في هذا التوقيت، بعد انقطاع طويل عن المشهد السياسي اللبناني، تُعد إشارة واضحة على تغير في الاستراتيجية الخليجية تجاه لبنان. فالسعودية، بالتعاون مع قطر ودول خليجية أخرى، تسعى إلى تحييد النفوذ الإيراني وتقليص دور “الحزب”، الذي يعتبرونه ذراعًا إقليميًا للمشروع الإيراني.
وفي ظل التعقيدات السياسية في لبنان، وبعد أن شهدت الأيام الأخيرة تحركات دبلوماسية مكثفة. برزت من الجانب الخليجي والسعودي تحديداً ليخلفه الأمر نفسه من الراعي الأمريكي الإساسي وعراب هذه المرحلة ، حيث حملت رسالة صارمة بضرورة انتخاب رئيس جديد في 9 كانون الثاني يحظى بثقة المجتمعين العربي والدولي. كما أكد الوفد رفضه محاولات تأجيل الجلسة، مشددًا على أن عودة العلاقات الخليجية مع لبنان تعتمد على توجهات الرئيس المقبل.
بالتوازي، وصل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين اليوم إلى بيروت حاملاً رسالة مشابهة، تؤكد أهمية الالتزام بالانتخابات. تأتي هذه التحركات في ظل أزمات خانقة، ما يعكس ثقلًا دوليًا كبيرًا لمنع لبنان من الانزلاق إلى مزيد من الفوضى.
وفي هذا السياق، يُقرأ التحرك السعودي على أنه محاولة لفرض تسوية سياسية تُنتج رئيسًا توافقيًا بعد أن أصبح دخول ترامب لسدة الحكم قريباً وهل هناك ضغط أمريكي على المملكة دفع بإتجاه دخولها الى الخط اللبناني بعد عزوف منها دام طويلاً أنأت من خلاله بنفسها عن التدخل، أم أن وجود محور الممانعة بصبغته القوية قبل الحرب قد كان حاسماً ضد أي تدخل عربي خليجي وهذا ما نربطه اليوم أيضًا من خلال الرفض الإمريكي والخليجي للهبات الإيرانية، التي ممكن أنهم يعتبرونها محاولة لتعزيز نفوذ “الحزب” داخل مؤسسات الدولة.
إن ملف الإعمار آليوم واسعاً ومختلف جداً عن ما حصل في ٢٠٠٦ وإذا كانت أمريكا قد مانعت قبول الهبات الإيرانية فهي بالطبع ستدعم الهبات الخليجي، والتي ستحمل في طيات صرفها وعودًا بتحسين الوضع الاقتصادي في لبنان، وربطها بشكل وثيق بانتخاب رئيس تتوافق عليه القوى الإقليمية والدولية. فالإعمار هنا ليس مجرد مبادرة إنسانية، بل ورقة ضغط سياسية تهدف إلى دفع لبنان نحو مسار جديد بعيد عن التحالفات الإقليمية التقليدية.
إن التدخل العربي الأخير،والسعودي تحديداً هو تدخل بدفع أمريكي يحمل في مضامينه زج رئيساً يحظى بتأييد أمريكا والحلفاء والذي وصفه البعض بأنه أشبه بعملية ولادة قيصرية سياسية، يعكس رغبة واضحة في تسريع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا بعد التراجع الإقليمي لمشروع إيران في المنطقة. فسقوط نظام الأسد جزئيًا من المشهد الإقليمي أضعف المحور الإيراني وأتاح للقوى الإقليمية الأخرى فرصة لإعادة ترتيب أوراقها في لبنان.
ووسط هذه التحركات، يبقى المشهد اللبناني متأرجحًا بين الأمل في ولادة رئيس توافقي قادر على إنقاذ البلاد، وبين الخوف من العودة إلى دوامة الفراغ السياسي والتأزم. الساعات القادمة ستكون حاسمة، حيث سيظهر ما إذا كانت الضغوط الدولية والعربية قادرة على فرض تسوية تُخرج لبنان من أزمته، أم أن الانقسامات الداخلية ستُعيد البلاد إلى المربع الأول.
ولكن المرجح وحسب مصادر مطلعة أن الرئيس تحضر ونحن أمام القطبة المخفية التي ستظهر جلياً في الموعد القادم لانتخابه هي كانت العقدة عند النائب جبران بأسيل الذي عرقل في مكان ما هذا الحراك الرئاسي.
كما أن طرح عدد كبير من الإسماء للترشح وضع المشهد السياسي أمام ضبابية مشهدية لعدم جلي الرؤية السياسية الواضحة من الأطراف المرشحة ما هو إلا الإيحاء بصورة ديمقراطية تعزز من وجود الجميع على قائمة الطرح (ولكن ما حدا عارف شو في جو المحشاية إلا المنقرة).
إنّ الثنائي الشيعي قد أبقى على وجود رئيس تيار المردة في مهب عاصفة الترشح من باب الثبات السياسي في الموقف وليس من باب الإمكانية في وصوله
ويبقى الأمل معقودًا على أن يُفرز هذا الاستحقاق رئيسًا يضع تطلعات اللبنانيين فوق الاعتبارات السياسية، وينطلق برؤية شاملة لإعادة بناء الوطن سياسيًا واقتصاديًا.