🕊️ ترامب… نوبل للسلام أم نوبل للخيال؟
بقلم: الكاتبة السياسيةً
أ. هنادي عباس
لماذا كلّ هذا الاستغراب من فكرة منح جائزة نوبل للسلام لدونالد ترامب؟
فالرجل – لا قدّر الله – لم يُشعل سوى القليل من الحروب، ولم يوقّع إلا بعض الاتفاقيات التي جعلت العالم أكثر توتّرًا وانقسامًا!
أليس ذلك، في حدّ ذاته، إنجازًا “سلاميًّا” يستحق التكريم؟
لقد أسّس ترامب لمدرسة جديدة في مفهوم السلام: السلام بالتغريد.
يكفي أن يطلق تغريدة عند الثالثة فجرًا، فترتجف الأسواق، ويتلعثم الدولار، وتصاب البورصات بحالة من الهستيريا، فيما يختنق المناخ الدولي من شدّة الضحك.
سلامه لا يحتاج إلى مفاوضات طويلة ولا إلى اتفاقيات معقّدة، بل إلى تغريدة واحدة وتوقيعٍ بخطّ سميك على وثيقة لا أحد يفهمها، يتبعها صورة أمام الكاميرات بابتسامة عريضة وعقلٍ لا يشغله إلا الغرور.
ترامب ليس كغيره من الرؤساء، فهو مخترع دبلوماسية التغريد – Diplomacy by Twitter!
يستيقظ في الصباح، يحتسي قهوته، يطلق تغريدة، فينقسم العالم قسمين: قسم يحاول تفسيرها، وقسم لا يزال غير مصدّق أنّها حقيقية.
إنّه الرئيس الوحيد الذي يصنع اتفاق سلام بصورة، ويفتح أزمة بتصريح، ويُنهيها بتغريدة جديدة وابتسامة مصطنعة.
لقد تغيّر معنى جائزة نوبل في زمن ترامب:
فلم تعد تُمنح لصُنّاع السلام بين الشعوب، بل لِمَن أتقن صناعة الوهم بين الكذب والغرور.
كيف لا وهو الذي أعلن أنّه “أنهى الصراع في الشرق الأوسط” فيما كانت النيران تلتهم أطرافه؟
وقال إنّه “حلّ أزمة كوريا الشمالية” قبل أن يتذكّر أنّ كيم جونغ أون لم يعُد يردّ على رسائله منذ زمن!
أما لجنة نوبل، فيبدو أنّها قرّرت مجاراة العصر:
فبدل أن تُكرِّم من أطفأوا الحروب، باتت تُكرِّم من يُشعلها بابتسامة.
وبدل أن تبحث عن رجال دولة، صارت تبحث عن نجوم التواصل الاجتماعي بربطات عنق.
ربما آن الأوان لتوسيع فئات الجوائز قليلًا:
• جائزة نوبل للإنجازات الوهمية،
• جائزة نوبل للغرور السياسي،
• جائزة نوبل لأفضل أداء في دور الرئيس الذي لا يعرف أين تقع خريطة العالم،
أو ببساطة: نوبل للسلام الافتراضي.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ ترامب نجح في أمرٍ واحدٍ لا غير:
لقد جعل العالم بأسره يتّفق على شيءٍ واحد… أنّه هو المشكلة، لا الحلّ.
فإن منحوه الجائزة حقًّا، فعليهم أيضًا أن يمنحوا نوبل في الكيمياء لتغريدة، ونوبل في الأدب لخطابه عن الجدار مع المكسيك، ونوبل في الفيزياء لقدرته على قلب الحقائق في ثانية واحدة.
نعم، ترامب يستحق جائزة نوبل…
لكن ليس للسلام، بل لقدرته على إقناع الناس بأنّ الضوضاء موسيقى، وأنّ العبث سياسة، وأنّ التهريج يمكن أن يُدرَّس في العلاقات الدولية تحت عنوان: فنّ صناعة الفوضى بابتسامة رئاسية
زر الذهاب إلى الأعلى