بقلم: هنادي عباس
سقط نظام الأسد وسقطت معه كل الأقنعة التي لبسها ك “رجل المحور”.
بشار الأسد، الذي ترأس سوريا منذ عام 2000، وجعل منها إرثاً عن أبيه على مدى نصف قرن “سوريا الأسد”. بعد أن كان محورًا جدليًا في السياسة السورية والإقليمية والدولية. شهدت حياته السياسية تحولات دراماتيكية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011؛ حيث انتقل من كونه رجل المحور في نظام سياسي يسيطر على مفاصل الدولة إلى محور الرجل الذي تدور حوله قصص الحرب، والانهيار، ومحاولات البقاء ومن ثم الرحيل، ليلوذ بنفسه تاركًا خلفه وطنًا مشرذمًا، ممزقًا، خاليًا من مقومات الحياة. كما فتح الباب مشرعًا أمام الإسرائيليين للدخول إلى مناطق كانت يومًا بالنسبة لهم حلمًا يتجاوز حدود الكون، وأتاح للتكفيريين قاعدة في أماكن لم تكن لهم فيها قواعد من قبل.
عندما ورث بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده حافظ الأسد، لم يكن يُتوقع منه أن يصبح الشخصية المحورية التي كان عليها والده. فقد صُوّر في البداية كرجل شاب متعلم ومتحضر، يحمل رؤية إصلاحية لسوريا، وقد بدأ بالفعل بإطلاق بعض المبادرات المحدودة مثل “ربيع دمشق”.
لكن سرعان ما تلاشت هذه الوعود الإصلاحية، إذ لم تكن سوى شعارات يراد بها تحقيق ترتيبات دولية تتوافق مع مصالحه الشخصية. وسرعان ما عاد النظام السوري إلى أسلوبه التقليدي في الحكم عبر القبضة الأمنية، مما كرّس شخصه كرجل المحور الذي تتمحور حوله مؤسسات الدولة، والجيش، وأجهزة الأمن. فأصبح القرار في سوريا يمر من خلال شخصه، بينما احتفظ المقربون منه (مثل عائلته وأجهزة المخابرات) بالنفوذ التنفيذي.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحول بشار الأسد من كونه رجل النظام الذي يُمسك بخيوط اللعبة إلى محور الرجل الذي تدور حوله كل الأحداث. فالثورة لم تكن موجهة ضد النظام فقط، بل ضد شخص الأسد نفسه،(لغاية في نفس الثوار!!!) الذي أصبح رمزًا للقمع والاستبداد. لذلك، لجأ إلى التحالف مع “المحور” ليس من باب الولاء والعقيدة، بل للحفاظ على مصالحه في البقاء. فباع ما باع واشترى ما اشترى، كلٌّ حسب قدرته على دعمه. ولاؤه لهذا المحور لم يكن نابعًا عن حب أو شغف، بل كان حبكًا وتشبيكًا لخيوط نظامه التي اتضح لاحقًا أنها أضعف من خيوط بيت العنكبوت.
فالقمع الوحشي الذي مارسه الأسد ضد شعبه والعنف غير المسبوق، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبها، واختياره المواجهة العسكرية بدلًا من الإصلاحات السياسية، أدى إلى تصعيد الصراع واتساع رقعته. كما تسبب هذا النهج في انخراط أطراف دولية وإقليمية في الصراع، كلٌّ حسب مصلحته.
ففقد الأسد شرعيته أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي، مما جعله محور الأحداث بصفته “المشكلة الأساسية” في الأزمة السورية. وأصبحت النقاشات الدولية تدور حول “بقاء الأسد” كعقبة أمام أي حل سياسي.
فرغم فقدانه السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد خلال سنوات الحرب، لجأ إلى سياسة البقاء عبر التحالف مع قوى خارجية. فروسيا، التي تدخلت عسكريًا في 2015، أنقذت نظامه من الانهيار لكنها في الوقت نفسه ملكت زمام رقبته الزرافية ، فـ”من يدفع ثمنك اليوم، قد يبيعك في أي مزادٍ يناسبه غداً”. أما تحالفه الإيراني، فكان داعماً له ماليًا وعسكريًا بكل الطرق عبر وكلائها في المنطقة لتعزيز سيطرتها في أماكن معينة ولأن سوريا هي المحور الأساس لمواجهة الغرب الداعم للتمدد الإسرائيلي .
وحين أدرك الأسد حقيقة ارتهانه التام للخارج وضاقت عليه دائرة الانتقاد الدولي والداخلي، لجأ بدايةً إلى خطاب “المؤامرة” و”مكافحة الإرهاب” لتبرير بقائه. وتفاديه أي إصلاحات سياسية جوهرية وتمسكه بالسلطة عبر القوة العسكرية والدعم الخارجي فجعل سوريا رهينة لقرارات القوى الدولية، مما أدى في النهاية إلى سحب القرار الوطني منه بالكامل.
اليوم، وبعد أن استيقظ العالم على خبر فراره، باتت قصة بشار الأسد بصمة سوداء في تاريخ الأنظمة الاستبدادية. لقد أضاع فرصة أن يكون عروبيًا مقاومًا، ولو بالحد الأدنى، أمام العدو. كان بإمكانه أن يترك إرثًا أفضل للعروبة والمقاومة التي وثقت به وأسندته. لكن اختياره للحفاظ على السلطة بأي ثمن جعل من سوريا مرتعًا للهيمنة الصهيونية والتكفيريين، وأداةً في مشروع “الشرق الأوسط الجديد”.
تاريخ بشار الأسد هو قصة تحول من رجلٍ همه الأول التمسك بالسلطة إلى محورٍ لأحداث تسببت في معاناة وطن بأكمله. لقد انحدر من رئيس دولة وطبيب عيون إلى فاقد للحس والبصيرة، تاركًا خلفه كل المواثيق والمبادئ، وراحلاً دون أن يواجه تلك العيون التي تنظر إلى المشهد الذي ختمه بالعار التاريخي للحقبة الأسدية، بدلًا من أن يكون “أسد الحقبة”.
زر الذهاب إلى الأعلى