فر آلاف النازحين في لبنان من منازلهم بحثًا عن الأمان هربًا من القصف الإسرائيلي، الذي لم يستثنِ الجنوب ولا الضاحية الجنوبية، وأجزاء من البقاع. تركوا وراءهم قراهم ومدنهم، مستبدلينها بملاجئ مؤقتة في بيروت، الشوف، وعاليه، ليبدأوا حياة جديدة ممزوجة بمشاعر الحزن والخوف، في ظروف قاسية زادتها أمطار تشرين الأوّل ألماً.
معظم هؤلاء النازحين افترشوا الشوارع والساحات في بيروت، كالكورنيش البحري وساحة الشهداء وساحة رياض الصلح، وحتى بعض الطرقات، معتمدين على القليل مما استطاعوا حمله معهم من ثياب وأغراض بسيطة. ورغم الصعوبة، لم يجد هؤلاء ملاذاً آمنًا في مدارس أو مراكز إيواء، فباتت الأمطار والجدران المفتوحة ملاذهم الوحيد، ينتظرون الأمان الذي تأخر.
“نحن نستطيع تحمل البرد، لكن الأطفال؟ ما ذنبهم؟”، تقول فاطمة إدريس بغصة، وهي أم لثلاثة أطفال نزحت من الليلكي إلى عين المريسة. منذ بدء القصف وهي تحت الأمطار، تحاول حماية أطفالها بجلوسهم تحت البنايات. “ثلاث ليالٍ قضيناها هنا، تحت الأمطار والمياه، دون مأوى يحمينا.”
ومن الجنوب، حمل النازحون معهم ألمًا آخر، فالأوضاع هنا أكثر قسوة. محمد حيدر، شاب نزح مع عائلته من الخيام إلى النبطية، ثم إلى الرملة البيضاء، يصف حالتهم قائلاً: “إسرائيل عدوة، لكن أين دولتنا؟ نحن هنا نعيش تحت رحمة الخطب ووعود الطوارئ، التي لا تتعدى كونها كلامًا. الملاجئ لا تكفي، والمدارس التي فتحت أبوابها قليلة، وكل شيء باهظ. مع هطول الأمطار واقتراب الشتاء، تتضاعف معاناتنا، ونحن في العراء.”
من وسط ساحة الشهداء، يصرخ علي الموسوي، رب أسرة نزح من بعلبك قائلاً: “تركنا بعلبك بسبب القصف العنيف، ووجدنا أن الملاجئ مكتملة. أمطار غزيرة وبرد قارس ونحن في الشوارع، والدولة لا تقدم لنا شيئًا. لا يوجد من يساعدنا سوى أصحاب الأيادي البيضاء، لولاهم لكنا جوعى. نعيش أيامًا وليالٍ تحت رحمة الجو القاسي، بينما أبسط احتياجاتنا مفقودة.”
“وبأي حالٍ تعود يا شتاء؟”، بهذه العبارة يلخص النازحون معاناتهم، في ظل حكومة تحاول تنفيذ خطة طوارئ لا تواكب الأعداد الكبيرة من النازحين، خاصة من الضاحية والبقاع، والتي باتت تفوق الإمكانيات المتاحة. وبينما تسعى الدولة لتوفير المأوى، تزداد مسؤولية وزير التربية اللبنانية، د.عباس الحلبي، للحفاظ على استمرارية العام الدراسي، عبر التعليم عن بُعد أو الحضوري، في وقت يعاني الأطفال النازحون من الحرمان في الشوارع.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستتحرك الحكومة اللبنانية لتعديل خطتها والاستجابة لاحتياجات هؤلاء؟ وهل ستستطيع النجاة بأطفال البلاد من شتاءٍ قاسٍ ينتظرهم بلا رحمة؟
بقلم: حسين عبدالله
زر الذهاب إلى الأعلى