مقالات

استقلال على الورق… وواقع من الذلّ والاحتلال

ثمانيةٌ وثمانون عامًا مرّت على إعلان استقلال لبنان، ومع ذلك نقف اليوم على عتبة سؤالٍ موجع: أيّ استقلال نحتفل به؟ كيف نهتف للحرية فيما بلدنا يختنق تحت وطأة احتلالٍ غادرٍ يتصرّف على أرضنا وسمائنا كأنها ملكٌ له؟

لبنان يعيش واحدة من أهزل مراحله. وجه الاحتلال لم يتغيّر: قصف، تهجير، إنذارات، وتهديدات. عدوّ يطلّ من سماء الموت ليقتل ويهجّر ويترك دماء الأبرياء على الطرقات، ثم يقف كأنه المنتصر الرحيم… وهو في الحقيقة الطاغية المستبد.

أيّ استقلال نعيشه وبلدٌ يستيقظ كل صباح على شهيد جديد أو تفجير جديد أو منزلٍ ينهار فوق أصحابه؟

أيّ استقلال والعدو لا يكتفي باغتيال الناس، بل يتجرّأ على الاتصال بهم ليأمرهم بالمغادرة قبل أن يحرق بيوتهم؟

أيّ استقلال والعدو نفسه يملي على جيشنا أن يفتّش بيوت أهله وأرضه، كأن أمن إسرائيل أهمّ من أمن أطفالنا؟

منذ متى فُرض على العرب، وعلى لبنان تحديدًا، أن يعيش تحت قاعدة مُرّة: “أمن إسرائيل قبل كرامتكم”؟

ولماذا يُطالَب هذا البلد الصغير بأن يقاوم وحده، بلا سند ولا مظلّة ولا عدالة دولية؟

هذا ليس استقلالًا…

هذا وطنٌ يُحاصَر ليبقى واقفًا رغم أنف المحتل.

ومع ذلك، يبقى في لبنان ما لا يُقهر: روحه.

الروح التي لم تتعب يومًا من المقاومة.

الروح التي حوّلت القرى المحروقة إلى قلاع، والمنازل المهدّمة إلى رايات، والناس البسطاء إلى شعبٍ لا ينكسر.

نعم، نعيش القهر… لكننا لا نعيش الهزيمة.

فالاستقلال الحقيقي ليس احتفالًا عابرًا، بل قدرة على الصمود، وثبات في وجه الظلم، وتمسّكٌ بحقّ لا يموت.

قد يملك العدو السماء، لكننا نملك الأرض.

قد يملك الطائرات، لكننا نملك الحق.

وقد يتمادى في تهديداته، لكن الكلمة الفصل ستبقى للناس الذين لا يهربون ولا يستسلمون.

هؤلاء الناس الذين يعشقون أرضهم حتى سدرة المنتهى، ويشمّون رائحة الوطن من رغيف أحلامهم وبذور حقولهم، وكتبوا بدمائهم أن لبنان وطنٌ نهائي لجميع أبنائه.

ومهما طال الليل، يبقى الاحتلال إلى زوال.

وبقوّة شعبنا وجيشنا وثباتنا أمام الطغيان، يولد الاستقلال الحقيقي… لا على الورق، بل على الأرض التي لا تنحني

هنادي عباس

كاتبة ومستشارة قانونية ودولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى