أخبار لبنانالرأي

زيارة البابا بين سلامٍ معلّق وناقوسِ خطرٍ يدقّ في وداعه

 

كتبت: هنادي عباس

بعد زيارة قداسة البابا والحبر الأعظم لاوون إلى لبنان تبيّن أن ما ظهر في العلن لا يشبه ما دار خلف الكواليس. الزيارة لم تكن خطوة بروتوكولية ولا محطة روحية فقط، بل حملت معها رسائل سياسية ثقيلة في لحظة إقليمية مضطربة. الخطاب العلني تحدّث عن السلام ووقف النزيف وحماية لبنان كمساحة تعددية، لكن هذا الغلاف الهادئ أخفى خلفه مسارًا سياسيًا حساسًا يتقاطع مع موازين القوى في الداخل والخارج.

في العمق، شكّلت الزيارة محاولة لإعادة ترتيب البيت المسيحي. الفاتيكان يدرك حجم التصدّع، وغياب بعض القوى عن مشهد الاستقبال مقابل بروز أخرى لم يكن تفصيلاً. جرى تقييم فعلي لمن يستطيع لعب دور في المرحلة المقبلة ومن انكسر وزنه وتراجع تأثيره. إنه فرز هادئ لكنه واضح في توقيته ومعناه.

في المسار الإقليمي، حملت الزيارة رسالة بضرورة التخفيف من منسوب الاشتباك في لحظة حرب مفتوحة على احتمالات أكبر. الفاتيكان ليس طرفًا ضاغطًا على المقاومة ولا داعمًا لخصومها، لكنه يلوّح بضرورة التهدئة كوسيلة لمنع الانفجار الكبير. وهذا التلويح سمح لبعض القوى الدولية بإعادة طرح فكرة «ضبط السلوك» في الجنوب بعبارات دبلوماسية ناعمة.

أما داخليًا، فقد كشفت الزيارة هشاشة الطبقة السياسية. البعض حاول استثمارها ليعوّض غياب تأثيره الخارجي، والبعض الآخر خرج من الصورة ومن الحسابات بمجرد تغيّبه عن المشهد. اللحظات الرمزية مثل هذه تكشف من يصعد ومن ينهار على سلم النفوذ.

وبالتالي فهل حملت الزيارة سلامًا مقدماً على أعلام الحرب الموعودة الحقيقة أنها قد تبطئ الانحدار وتفتح قنوات، لكنها غير قادرة على تغيير قواعد اشتباك تُرسم على طاولة دولية أوسع من لبنان. الفاتيكان لا يستطيع فرض تسوية، ولا يستطيع منع حرب، بل يقدّم فقط غطاءً أخلاقيًا لتهدئة ظرفية.

يبقى السؤال الأهم: هل سيبقى لبنان عالقًا في دائرة الهيمنة ومحاولات فرض الاستسلام؟ ميزان القوى لا يزال يميل نحو استمرار التجاذب، بين ضغوط خارجية متزايدة، وهشاشة داخلية واضحة، وثبات محور المقاومة على خياراته. زيارة البابا أدّت دور المهدّئ، لكنها لم تتمكن من تبديل المشهد ولا من تغيير قواعد اللعبة. فلبنان يقف اليوم في منطقة رمادية، يطلّ منها على سلامٍ معلّق وصراعٍ أكبر من حجمه وجغرافيته، فيما تُرسم خطوط المرحلة المقبلة خارج حدوده أكثر ممّا تُرسم داخله. وعليه، فإنّ إشعال فتيل الحرب بعد مغادرة البابا يبقى رهنًا بجنون نتنياهو الذي ينام ويحلم بالتوسّع، ويصحو على كيانٍ يتأرجح بين الضياع والخوف ممّا هو آتٍ.

هنادي عباس

كاتبة ومستشارة قانونية دولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى